عادة ما يكره الناس المبالغة في كل شيئ، فإذا بالغ أحدهم في المظاهر، صار منبوذا، لأن منبع الغلو، هو الكبر والمزايدة على الناس.
لذا كانت الغلو في الدين مكروها خاصة إذا ما كان بالزيادة عليه، لأن الدين توقيفي من عند الله، فالزيادة فيه، اتهام له بالنقصان، والنقصان منه اتهام له بالقصور.
فمثلا، أدى الغلو بأحد الأعراب يوما أن يتهم النبي –صلى الله عليه وسلم- في عدله، كما أدى بثلاثة أن يقول أحدهم أصلي لا أنام، وقال الآخر، أصوم لا أفطر، وقال آخر: لا أتزوج النساء.
وفي هذا تناسيا لأن النعمة في أصلها من الله، فالنوم سكينة من الله نقوم لنصلي ونحمده عليها، فلو أن مرضا حرمنا هذه النعمة لصارت الحياة لا تطاق.
كما أن الطعام نعمة، نمتنع عنه لنتعلم التقوى، ونحمد الله عليها، والزواج نعمة من الله وفيه تعبد لله كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: “وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يارسول الله أيأتى أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟! قال: ” أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” ((رواه مسلم)).
كما أن الغلو نوع من أنواع التعالي على الطبيعة الإنسانية، وفي هذا نقص لفهم طبيعة مخلوقية الإنسان، ونقصان لفهم طبيعة رسالة الإسلام.
لأن أصل الإسلام، هو الاستسلام لله –عز وجل- والإيمان بما صوره لنا عن طبيعة الإنسان والكون والمخلوقات في كتابه العزيز.
الضعف من طبيعة الإنسان التي أقرها القرآن، فقد قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء 28).
لذا، فإن قبول هذا الضعف يدعو إلى التسليم كذلك بطبيعة تشريعات الله –تعالى-، التي تناسب الإنسان تماما، وتجعله في تناغم تام مع ضعفه ومع باقي المخلوقات، بل وتمنحه أفضلية الاختيار التي ميزه الله بها.