عندما تدرس السير، يسهل على الدارس أن يضع وصفا أو تصنيفا لشخصية من يتعلم، فهذا محدث وذاك فقيه، أما عبد الله بن المبارك فيحتار الدارس له في تصنيفه، فقد جمع بين العلم والفقه والحديث واللغة والثراء والصدقة والجهاد والحج والعبادة وحسن الأدب وحسن الخلق.
ولد عام 118 هجرية في العصر العباسي، وارتحل كثيرا في طلب العلم وللجهاد والحج، حتى توفاه الله في 181، وكان مما أثر عنه –رضي الله عنه- أنه كان يحب الإنفاق على طلاب العلم في مختلف الأمصار، وعندما سئل في ذلك برر بأنه إذا تركهم ضاع علمهم.
كما أثر عنه حبه للحج، فقال في ذلك:
بُغْضُ الحَيَاة ِ وَخَوفُ الله أخرَجَنِي
وَبَيـعُ نَفسِي بِمَـا لَيسَتْ لَهُ ثَمَنَـا
إنِّـي وَزَنتُ الـذِي يَبقَـى لِيَعدِلَهُ
مَا لَـيسَ يَبقَـى فَلا والله مَا اتَّزَنَـا
روي عن قوته وبسالته في الجهاد أن عبده بن سلمان المروزي قال: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله.
ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعة فطعنه فقتله فازدحم إليه الناس، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك وإذا هو يكتم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو. فقال : وأنت يا أبا عمرو ممن يُشنع علينا.
بدأ في طلب العلم وهو ابن عشرون عاما، لكنه لم يترك طريقا للعلم إلا سلكه، فيقول عبد الرحمن بن أبي حاتم: «سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة»، وقد شهد له أحمد بن حنبل بذلك أيضاً.
وألف كتبا في الزهد والرقائق والجهاد، وكان حريصا على الكتابة فكان يقول أن حبر العالم عطره.
كره أموال السلاطين وظلمهم، فنقل عنه أنه سئل من الناس ؟
فقال : العلماء،
قيل : فمن الملوك ؟
قال : الزهاد،
قيل : فمن الغوغاء ؟ قال : خزيمة وأصحابة (يعني من أمراء الظلمة)،
قيل : فمن السفلة ؟ قال : الذين يعيشون بدينهم.
كما نقل عنه من الحكمة وخيرة الصحبة أنه قال: قال حبيب الجلاب : “سألت ابن المبارك، مأخير ما أعطي الإنسان ؟
قال : غريزة عقل،
قلت : فإن لم يكن ؟
قال : حسن أدب،
قلت : فإن لم يكن؟
قال : أخٌ شفيق يستشيره،
قلت : فإن لم يكن ؟
قال : صمت طويل،
قلت : فإن لم يكن ؟
قال : موت عاجل.