أحيانا يتعلق الإنسان بالخلق لمصلحة أو خوفا من الوحدة أو حرصا على محبة الناس، بشكل ينسيه عظمة الله عز وجل، ويجعله متعلقا بالناس أحيانا على حساب نفسه.
يؤدي هذا التعلق أحيانا إلى الخطأ في الحسابات، فيعصي الإنسان ربه في رضا الناس، ويؤذي نفسه في رضا الناس.
فيخسر الإنسان دينه ودنياه، ولا يرضي الناس مهما خسر من نفسه، وفي هذا المعنى يقول الحديث الشريف:
عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ” مَن أرضَى اللهَ بِسَخَطِ الناسَ كفاهُ اللهُ الناسَ ومَنْ أَرْضَى النَّاسَ بسخَطِ اللهِ وكَلَهُ اللهُ إلى النَّاسِ”.
فهذا الحديث يشير إلى نقطة الانطلاقة الصحيحة، فإذا استغنى الإنسان بنفسه عن الناس، تملكته نفسه وأنانيته واستمرأ أذى الخلق.
أما إذا استغنى الإنسان بالله، فجعل رضا الله همه الأول، بدأ من معرفة الله –عز وجل- واستحضر قدرته وعظمته.
بل وأدرك أن كل شيئ بيد الله، بما فيها نفسه التي بين جنبيه وأنفس الناس الذين يتعلق بهم.
كما أن الإنسان لا يأمن إلا إذا وكل أمره لله –عز وجل-، أما إذا وكل أمره للناس، رضوا عليه تارة وسخطوا عليه أخرى، ورفعوه تارة ووضعوه أخرى.
فأحوال الناس في تغير مستمر، كما أن أحوال الإنسان نفسه في تغير مستمر، فالإنسان الذي قد يعطيك اليوم فتغتني، قد يفتقر نفسه غدا.
والإنسان الذي يقدمك على غيرك اليوم، قد يقدم غيرك عليك غدا.
لكن عندما يعرف الإنسان ربه، يهديه إلى معرفة نفسه، معرفة لا تطغيه، لكنها تحفظ لنفسه قدرها.
إذ يجد في ما أنزل الله معزة لنفسه وحفاظا عليها، وحدودا في معاملاته مع الآخرين، فلا يؤذيهم ولا يؤذونه.
لذا فالطريق إلى الاستغناء عن الخلق بالخالق تبدأ من معرفة الخالق، ثم معرفة النفس التي خلقها الله من بين خلقه، ثم معرفة الخلق.