زخرت الهجرة بالعديد من مواقف تضحيات الصحابة الكرام، إلا أن النظر إلى تضحيات الصحابة بأموالهم، أمر يستحق التوقف.
من المعلوم أن من مقاصد الشريعة الإسلامية، الحفاظ على الدين والنفس والمال، لكن ماذا لو تعارض الحفاظ على الدين والمال؟
هنا، كانت الإجابة واضحة عند الصحابة، فلم يتأخر أحد منهم عن التضحية بماله في سبيل الله.
فنجد سيدنا عبد الرحمن ابن عوف، من أول من أسلم من الرجال، ومن أحسن قريش نسبا، وأنجحهم تجارة.
كما نجد سيدنا صهيب الرومي، السياف الذي كسب مالا من عمله بعد أن كان فقيرا.
لكن قريشا لم تترك مالا لأي منهما، فقد هاجر عبد الرحمن بن عوف وتمت المؤاخاة بينه وبين سعد بن الربيع، الذي عرض عليه نصف ماله، حين لم يكن لا مال له.
إلا أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف، عفيف النفس لم يقبل أن يأخذ من مال أخيه، بل طلب منه أن يدله على السوق، ليبدأ تجارته من جديد.
مقايضة على الحرية
أما سيدنا صهيب الرومي، فقد قايض قريش بماله على حريته ليهاجر بدينه، فيقول:
عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
“أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا أَوْ تَكُونَ يَثْرِبَ”.
قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ لاَ أَقْعُدُ فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ.
وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا، فَنَامُوا فَخَرَجْتُ، فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَمَا سِرْتُ بَرِيدًا لِيَرُدُّونِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ مِنْ ذَهَبٍ وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي وَتَفُونَ لِي؟
فَفَعَلُوا، فَسُقْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: احْفِرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَإِنَّ تَحْتَهَا الأَوَاقِيَ، وَاذْهَبُوا إِلَى فُلاَنَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ.
وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:
“يَا أَبَا يَحْيَى؛ رَبِحَ الْبَيْعُ”. ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلاَّ جِبْرِيلُ عليه السلام”.